قصة قصيرة ...
وفاء البلطية ::
هناك يسكن سالم في بيته البسيط الذي يضطجع على حافة شاطئ البحر وأمام بيته أدوات صيد الأسماك التي يمتلكها وبها يمارس مهنة صيد الأسماك ومنها الغزل والشباك وتوابعها وقارب بسيط يسمى (حسكة) وهي مسطحة وليس بها أي تجويف ومعها مجداف يدوي مصنوع من الخشب يستخدمه سالم لدفع قاربه إلى مسافات محددة يتوقع تواجد الأسماك مختلفة الأنواع بين صخورها فيقوم بنشر شباكه على مساحة محددة حيث تغوص إلى الاعماق بسبب الأثقال المصنعة من الرصاص المثبتة بأسفلها وبكل طرف من الشباك مثبت عوام بلاستيك بواسطة حبل يطفُو إلى سطح البحر ليستدل بموجبه إلى مكان شباكه عندما يأتي في صباح اليوم التالي ليجمع شباكه ويخرج بها إلى الشاطيء حيث يكون في انتظاره زوجته وأبنائه الصغار وابنته وفاء و جميعهم يبدأون في إخراج ما صاده من أسماك من بين ثنايا الشباك.
كان سالم يعتمد على ابنته وفاء بشكل كبير في جميع أعمال الصيد فتقوم من الصباح الباكر بدفع القارب نحو مياه الشاطئ ثم تضع الشباك على ظهر القارب وتقوم يربطها بالحبال حتى لا تنزلق عن ظهره أثناء قيام والدها بالتجديف لدفع القارب إلى عمق البحر ولتجنب حركة الأمواج المعاكسة لاتجاه القارب فتسقط الشباك، و كثيرا ما كان يحدث ذلك فتقوم وفاء برفعها من الماء ودفعها على ظهر القارب ثم تدفع تدفعه بكل قوتها إلى الأمام.
كثيراً ما كانت وفاء وهي ترتدي ملابس خاصة بالبحر وهي عبارة عن سروال (بنطال) من القماش وترتدي فوقه لباساً خاصاً بالبحر (أفرهول) من النايلون المقوى يكسي كامل جسمها وتغطي شعرها وعنقها بمنديل اسود، فترافق والدها بعد أن تقفز على ظهر القارب بعد أن يكونا تجاوزا الأمواج وتقوم بمساعدة والدها بنشر الشباك وجمعها في اليوم التالي.
اكتسبت وفاء خبرة واسعة بقيادة القارب وصيد الأسماك وأصبحت لديها معرفة كبيرة بكافة أنواع وأصناف الأسماك التي كان الكثير من تجار الأسماك يتسابقون لشرائها من وفاء وكان الكثير منهم ومن الناس يعرفون وفاء و نشاطها و يحترمون مواقفها مع والدها الذي أصابه الإرهاق والتعب وعدم مقدرته لممارسة مهنة الصيد وقيادة القارب بسبب إصابته بغضروف في عموده الفقري اقعده عن العمل، فكانت وفاء هي من يقوم بجميع الأعمال التي كان يقوم بها والدها الذي كان دائم الجلوس أمام الشاطئ يراقب وفاء عند ذهابها لنصب الشباك وعودتها بها إلى الشاطيء.
كانت وفاء حديث جميع صيادي الأسماك وكل من يشاهدها وهي تجهز القارب وتقوم بالتجديف بنفسها إلى مسافات تتوقع وجود أسماك بها، فالعديد من الصيادين ومرات عديدة قاموا بخطبتها لأبنائهم إلا أنها كانت ترفض ذلك وتقول بأن أسرتها ( والدها والدتها واخوتها الصغار) بحاجة لوجودها بينهم لتوفير مصدر دخل واظب عليه والدها الذي اقعده المرض، كما أنها تحتاج للوقت بعد انتهائها من عملها اليومي في البحر لأنها أصبحت ملتزمة بالدراسة بعد أن انتهت الثانوية العامة و التحقت بإحدى الجامعات.
أصبحت وفاء تعرف باسم البلطية وهو الاسم الذي أطلقه عليها والدها وهو اسم نوع من الأسماك التي كانت تعشق وفاء صيدها وبعد أن ذاع صيتها في المعمورة وبين المهتمين بالصيد قامت إدارة التلفزيون بعمل فيلم وثائقي عن حياة وعمل وفاء كنموذج للفتاة الصبورة و القابضة على جمر صعوبة الحياة وتتوجها بالنجاحات الحياتية و المهنية المتكررة فنالت إحترام وتقدير الجميع.
د. عز الدين حسين أبو صفية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق