الثلاثاء، 24 مايو 2022

بقلم ... الشاعر الأستاذ عبدالله سكرية

 معركة العِنَبِ ..

_ يا كروم راس السّرج يا أمَّ الحلا ,
يالْ ما مرَق إنسان إلّا يا هَلا ,
يا ما أنا وبوحْمَيْد قطّفنا عنِبْ !
بس البطِنْ يا رَيْت ما مَرّة انْتلى!..
1_ الوقتُ ظهيرةٌ , والشمسُ لا تبخلُ على الكائنات بقيظٍ كاد يكون حريقًا , والناسُ في أعمالهِم وأشغالهِم , إلا الفتيَين الصديقَين اللاّعبَين , أحمدَ وعبدَالله , فها هما في الكرم بين عناقيدِ العنبِ الشّقراءِ والسّوداءِ والحمراء , يقطفانِ , يتسليانِ , ويضحكانِ ويلعبانِ !.
2_ والبرّيةُ حريّةٌ كما يقولون ؛ والكرمُ على الدّرب , جوّادٌ معطاء , يحبُّ الزائرين والقاطفين .. وصاحبُ الكرم "أبو سعيدٍ" , خالُ أحمدَ , هو الآنَ في دُكانِه , في ساحةِ البلدةِ بعيدٌ عن عناقيدِهِ . وهو سيّد السَّاحةِ , يجولُ بالأحاديثِ معَ المارَّة حينًا , ومع الزَّبائنِ حينًا آخرَ . وها هُما الصَّديقانِ اللاّعبانِ يتبادلانِ التّندُّرَ , وَيَتناوبانِ على الحبّاتِ الجميلاتِ الطِّيّباتِ .ويسألُ عبدُ الله أحمدَ : وماذا لو باغتَنا الآن خالُك إيّاه ؟
3_ لاعليكَ , فأنا أمونُ على الكرمِ , أليس لوالدتي فاطمةَ حصةٌ فيه ؟؟
وإذا بصوتٍ يتَناهى إلى سمْعِهِما ! ليسَ بقريبٍ جدًّا , ولا ببعيدٍ .. كان صوتَ أبي سعيد ٍ !! .. هادرٌ , صاخبٌ ,شاتمٌ ؛ ولم نكنْ ندري كيفَ ساعدَهُ عمرُه الخمسينيُّ على تلكَ الرِّكضةِ الشبابيّةِ ،بذلك القُمبازِ القرويِّ الملتفِّ على جسدِه النّحيلِ , وقامتِه الممشوقةِ ؟ كان الصوتُ يزدادُ ضجيجًا ,وكانت الشتائمُ تتنّوع وتشتدّ ! .
4_ ويا لَها من قفَزاتٍ صبيانيةٍ ! لقد رحْنا أنا وأحمدُ نقفزُ يمينًا وشمالًا ، وكانَ علينا أن نخرجَ بسرعةٍ ونتفرّقَ في كلِّ اتجاهٍ ؛ كانَ عليَّ أنْ أركضَ وأركضَ صُعودًا إلى رأس الهضَبةِ المُحيطة بالبلدة ؛ وأبو سعيدٍ يأبى التّراجعَ والانهزامَ , فها هوَ يَختَطُّ الطريقَ التي اختطتُها , وما زالَ يهمدرُ ويتوعّد! غيرَ أنّي دُرتُ بقفَزاتِ الأرنبِ حولَ الضّيعة ِ, ورحتُ أتلطّى بينَ البيوتِ , وفي الاز قّةِ , لأصلَ إلى البيت , وأختبئَ في ناحيةٍ أَرى منها القادمَ إلى بيتِنا , ولا يراني القادمُ إليهِ..
5_ كانَ صوتُ لهاثي ظاهرًا ،والعرقُ يتصبّبُ من كلّ ناحيةٍ في جَسدي ،وكانَ الْهمُّ أنْ اختفيَ ولا يَراني أحدٌ .ولكنْ , فُتح البابُ , بلا إذنٍ , والصّوتُ يُنادي : "أينِ هو هذا الولدُ القليلُ ...؟ يا أمّ عبدِ الله ,ربّي ابنَك الأزعرَ .. والله , لولا أنّني أنا أبو سعيدٍ لكنتُ فعلتُ وفعلتُ " !..وكنتُ أنا أسمعُ , وأَرى وأضحكُ .. وكانَ شعورٌ بالنّصرِ قد سيطرَ عليَّ , كأني فزْت على أبي سعيدٍ في معركةِ العنبِ ؛ وهي معاركُ , كثيرًا ما تقومُ في كرومِ الضّيعة جنودُها الغادون والرائحونَ... !.
_ أمّا أحمدُ صديقي , فلم أعرفْ , إلّا بعدَ أنْ هدأتِ المعركةُ , كيفَ انطلقَ بعيدًا , ولم يعُدْ إلى القريةِ إلاّ بعدَ ساعاتٍ .. وأمّا الكرم فقد صار ملعبا لعمائر وبيوت , لم تُبق منه غير بقايا من شُجيرات تترحّم على الماضي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق