الثلاثاء، 29 مارس 2022

بقلم ... الدكتور عبدالحليم هنداوي

 حديقة الحكيم

٩ الصيام
إنه اليوم الأخير من شهر شعبان حيث استيقظ الحكيم كعادته مبكرا وتوجه الى مزرعته وأخذ يتفقد أشجار الفاكهة وأحواض الأسماك بها ثم استقبل مريدوه
بإستراحته وأخذ يهنئهم ويهنؤه بحلول شهر رمضان المبارك ثم قام أحد مريدوه
وقال كلمنا يا حكيم عن الصيام
فانتصب الحكيم هاشا باشا وقال مرحبا رمضان شهر الخير والإحسان شهر الصوم والبركات ثم تلى قوله تعالى شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان صدق الله العظيم
فرمضان يا أبنائى مرتبط بكتاب الله عزوجل فهو شهر القرآن وشهر العلم وشهر البيان والصفة الأهم فيه يا أبنائى
هى التقوى لأنك عندما تكف عن تناول الطعام والشراب والشهوات وتمسك لسانك حسبة لله تعالى فهذه هى أعلى درجات التقوى لذا قال الله تعالى فى حديثه القدسي كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لى وأنا أجزى به فجعل الحق سبحانه جزاء الصيام سر من أسراره سبحانه لعظم هذا الأجر فتخيلوا يا أبنائى لو أن ملكا من ملوك الدنيا وعد أحدكم أنه إن فعل شئ ما بدقة وإخلاص سوف يقوم بمكافئته بنفسه هل تخيلتم عظم المكافأة فإن عظم المكافأة تكون على قدر عظم المكافئ ولله المثل الأعلى
لذا جعل المولى عز وجل باب من أبواب الجنة الثمانية للصائمين يقال له باب الريان فتخيلوا يا أبنائى أنكم يوم القيامة أتيتم بأعمال قليلة لم تبلغكم الجنة وبعد أن وقفتم خمسين ألف سنة فى يوم القيامة وقد بلغ منكم التعب والرهق مبلغا
عطشى جوعى وقد أظلم كل شئ من حولكم وفجأة تسمع منادى ينادى على فلان بن فلانه أن توجه لباب الريان أحد أبواب الجنة الثمانية جزاء لصيامك وقيامك هذا الشهر الكريم عندها سيطير قلبك فرحا ويسبقك لجنة الريان وبعد أن تدخل من الباب تجد أمامك أنهار وجنان فتشرب وترتوى وتمد يدك لتقطف من ثمار الجنة فيذهب عنك الجوع ثم ترتاح نفسك عندما تشتم رائحة المسك على جسدك الذى ينضح مسكا على شكل عرق بعد شرابك وطعامك!
ثم تطيل النظر فترى أمامك جنتان من أجمل أنواع الفاكهة والزهور والرياحين وتسمع موسيقى أشجى من ابرع موسيقى بهذه الدنيا نتيجة تلامس نسمات الهواء العليل بأغصان الأشجار وأصوات الأطيار
ثم تمد بصرك فتشاهد قصور معلقة من لؤلؤ تجرى من تحتها الأنهار فتسأل لمن هذه فيرد عليك الملك هى لك جزاء لصيامك وقيامك وقراءة القرآن
فتجرى عليها بلهفة شديدة فتجد فى استقبالك أحب الناس إلى قلبك فى الدنيا من أهلك وذويك المؤمنين الصالحين وتستقبلك زوجاتك من الحور العين وعلى رأسهن زوجتك الصالحة فى الدنيا وتكون الأقرب لقلبك بعد أن اصلحها الله لك من منغصات الدنيا وأصلحك لها!
ثم تنظر أسفل القصر فتجد الأنهار تجرى من تحت القصر فتذهب أنت وأحبابك الى شواطئ تلك الأنهار ويرمى بعضكم بعضا باللؤلؤ والياقوت الذى هو حصباء النهر!
ومهما تكلمنا عن الجنة يا أبنائى فلن نصل الى شئ لأنها لم تخطر على قلب بشر
ثم قام أحدهم وقال يا حكيم ما تقول فيمن يكف عن الطعام والشراب لكن لم يكف لسانه عن الخوض فى الأعراض!
فغضب الحكيم وقال يا أبنائى الصوم الذى يقبله الله هو صوم جميع الجوارح
وعلى رأسها اللسان ومن لم يمسك لسانه عن الكذب والخوض فى أعراض الناس فلن يجنى من صيامه سوى الجوع والعطش
ثم قام أحدهم وقال يا حكيم إنا نقضى الليل فى السمر والسهر وننام النهار حتى يؤذن المؤذن لصلاة المغرب!!
فامتعض الحكيم وقال أجل يا أبنائى فإنكم لم تفهموا علة الصيام فلقد فرض علينا المولى جل شأنه الصوم حتى نشعر بالجوع والعطش فنشعر بالفقير والمحتاج فيرق القلب عليه بالعطاء اذا الجوع والعطش والمعاناة هى لب هذا الصوم
ولن نشعر بذلك إلا بالعمل والعمل الدؤب
المضاعف بنهار رمضان وليله
فرمضان شهر العبادة وعلى رأس هذه العبادة العمل
ثم قام أحد الشباب وقال يا حكيم ماذا عن القرآن
إبتسم الحكيم وقال رمضان هو شهر القرآن اجعل لنفسك ورد يومى من كتاب الله حد أدنى جزء باليوم وبذا تختم كتاب الله مرة فى هذا الشهر واجعل هذا ديدنك فى باقى شهور السنة حتى لا تكون من الذين يهجرون كتاب الله
ثم قام أحدهم وقال معذرة يا حكيم كم مرة تختم كتاب الله فى شهر رمضان؟
فتبسم الحكيم وقال سأقول لكم يا أبنائى من باب التذكير لا الرياء حفظنا الله وإياكم من الرياء والنفاق وسوء الاخلاق
بفضل الله أختم كتاب الله مرة كل ثلاثة أيام فى أول رمضان ومرة كل يومين فى
العشر الأواخر والله اسأل ان يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال
ثم قام أحد الشباب وقال يا حكيم إن بعض الناس يصوم ولا يصلى فعاجله الحكيم قائلا يا بنى لكل باب مفتاح ومفتاح كل هذه الأعمال الصالحة هى الصلاة فهل تستطيع أن تدخل بيتك المغلق بلا مفتاح؟!
ثم قامت عجوز وسألته مبتسمة وقالت يا حكيم كلمنا عن ليلة القدر
فتلى الحكيم قوله تعالى إنا أنزلناه فى ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هى حتى مطلع الفجر صدق الله العظيم
لقد جعل الله سبحانه وتعالى يا أبنائى عبادة ليلة واحدة وهى ليلة القدر خير من ألف شهر أى خير من ٨٣ سنة فلو افترضنا أن متوسط عمر أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ستون عاما وأن أحدنا من الله عليه بقيام أربعين ليلة من ليالى القدر على مدار أربعين عاما فهذه الأربعين ليلة تعادل ثلاثة الاف وثلاثة مائة عام عباده وهذه هدية أهداها الله سبحانه لأمة سيدنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام عوضا عن أعمار الأمم السابقة التى كانت بألاف السنين!
فاجتهد يا رعاك الله فى هذه الليلة بالدعاء وتلاوة القرأن فليلة القدر ما هى سوى دعوة مستجابة
ثم قام أخر وقال يا حكيم كلمنا عن زكاة الفطر
فقال الحكيم زكاة الفطر يا أبنائى هى الجابرة لهذا الصوم ففرضها المولى سبحانه حتى يجبر بها تلك الهفوات التى تصدر منا أثناء الصيام فنحن بشر ضعيف
وبذات الوقت تدخل السعادة والسرور على الفقراء والمحتاجين وهى تجب على كل نفس حتى الجنين فى بطن أمه ويجب أن تخرج فى الثلاثة ايام الأخيرة من رمضان وأخر موعد لها قبل صلاة صبح يوم العيد وبعد الصلاة تعتبر صدقة وليست زكاة
رمضان كله خير يا أبنائى وهو منحة من الله لنا فلا تضيعوا هذه المنحة فسلعة الله غالية ولا يوجد أغلى من جنة عرضها السموات والأرض فصوموا نهار رمضان وقوموا ليله وتسامحوا وصلوا أرحامكم وودوا جيرانكم وتصدقوا قدر المستطاع
فالعمر قصير يا أبنائى ولا ندرى هل يكون لنا نصيب فى رمضان القادم أم أن النصيب سيكون ليد الردى
بلغنا الله وإياكم رمضان ورزقنا فيه أجر الصيام والقيام وكل عام وانتم بخير
والى اللقاء مع ثمرة أخرى من ثمار حديقة الحكيم
د. عبدالحليم هنداوى من كتابي حديقة الحكيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق