القصة القصيرة
أسطورة حياة و فناء
لطفي الستي/ تونس
بيوت متناثرة في سفح جبل ...قرية لا أحد يعرف متى نبتت في تلك البقاع و لا كيف بالرغم من صعوبة التضاريس المحيطة بها وقسوة الطبيعة التي أنكرت عليها المطر لسنوات عديدة متتالية حتى ألف أناسها و نباتها و دوابها و صخورها الجدب و الجفاف ...أملهم الوحيد أن تتفجر العيون من جوانب هذا الجبل الجاثم هنا ...جبل تعرت جوانبه و بانت حجارته انتصبت في قمته بناية غمرتها الأشواك و النباتات الطفيلية و عششت فيها الطيور و الغربان...قيل أنها لولي صالح و قيل أنها قصر لأحد الملوك تحرسه كائنات غريبة شرسة و تتخلله دهاليز طويلة ، عميقة ، ملتوية ، متشعبة تربطه بعالم ...عالم آخر لا نهاية له قد يكون سبب ظنكهم أو ديمومتهم ...
حكايات و أساطير توارثوها و صدقوها باتت جزءا من حياتهم ...من واقعهم لا أحد يجرؤ أن يتحدث عنها ...أن يدخل في خفايا الأحدوثة...
كل شيء هنا يسير ببركات السماء ...ببركات الملائكة ...ببركات الشيطان ...فلم الغوص في أعماق المجهول و الخوض في المحظور و الممنوع و المقدس ...
إلى أن أفاقوا ذات يوم على صوت المطارق و الفؤوس تعصف بجدران تلك البناية ...ذلك القصر ...
تأملوا جيدا ...دققوا النظر ...أشباح تتحرك يمنة و يسرة غمرها غبار كثيف حجب عليهم ما يجري فجثموا ينتظرون الطامة ...المصيبة ...السخط ...يأملون الخلاص و النجاة ...لا يدركون إن كان ما يجري حقيقة أو ضربا من خيال بطون خاوية و أجساد منهكة و أرواح تائهة ...
هدأت العاصفة و تسلل بعض الشباب من أعلى الجبل فالتهمتهم الأعين مستنكرة ...مستغربة ...حائرة ...
نظرات لا تفقه و لا تفهم ...فيها من العتاب و الشكر ...فيها من اللوم و الخوف و الجزع ...فيها من الأمل و الامتنان...
ظلت الرؤوس مدة طويلة مشرئبة إلى الأعلى ...إلى قمة الجبل خوفا من أن تظهر من جديد تلك الجدران و تفوح ثانية رائحة الشيطان و التعاسة ...تدقق النظر في طيات الجبل لعل الماء يظهر منها إلى أن اعوجت الأعناق و كلت الأجساد فعزموا أن يجلبوا الماء من بعيد ...من بعيد ...أن يزرعوا الأشجار ...كل أنواع الأشجار...في سفح الجبل ...في قلبه وحتى على قمته لعلهم يكتبون بأيديهم أسطورة حياة أو فناء ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق