بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة الرابعة
تابع نبذة عن ظهور الأدب العربي والتبحر فى أعماقه بالتحليل والشرح الأدبى. **
في العصر الإسلامي بدأ الشعر يصور التغير الاقتصادي والاجتماعي، الذي نشأ من انتشار الدعوة المحمدية وتكوين الدولة الإسلامية، ففقد الهجاء مركزه الجاهلي، وإذا هو في صورة جديدة، هي المناقضة بين الشعراء أو طوائف منهم. والحماسة تكتسي بالوان الاستشهاد الديني، وخاصة عند الخوارج. والغزل ينفرد بقصائد كاملة في بعض المدن الزاهرة في الحجاز، فيرق أسلوبه باللهجة الحجازية، وبسبب شيوع فن الغناء وتأليف الشعر الغزلي الذي يقصد التغني به. وغزل الحجاز نوعان: نوع قصصي واقعي مرح، يمثله عمر بن أبي ربيعة في مكة، وآخر عذري رمزي حزين محروم، عند الشعراء العذريين في المدينة، مثل جميل والأحوص والمجنون.
في هذه الفترة يظهر الشعر السياسي، ويتطور الرجز – من مجرد شعر حماسي لاستثارة المحاربين – إلى ميدان استعراض البراعة اللغوية عند "العجاج"، ويصبح الشعر – دون أن يفقد رونقه ولا فنيته – أكثر التصاقاً بحياة الجماعة، مؤدياً لوظيفته الاجتماعية. وهنا يتوافق الشكل مع المضمون، وتعود القصيدة العربية – بعد توقف قصير المدى في أثناء الفتوح- إلى قوتها، وقد تخلصت من كثير من جمود الموضوع في الجاهلية.
نمت القصيدة في العراق والجزيرة، وحمل لواء الشعر في هذه المنطقة جرير والفرزدق والأخطل وذو الرمة، وكان الأخطل أكثرهم تمثيلاً وتنفيذاً للشكل الجاهلي، في شعر الفخر ومدح الأمويين. وصور الفرزدق وجرير فجاجة الحياة البدوية واستعملا الشعر للوصول إلى الثراء، وطورا موضوع القصيدة، وأدخلا فيها تفصيلات من الخلافات السياسية والقبلية، وانتعشت النقائض على أيديهما، وأساسها المفاخرة والهجاء، وركزا مقدرتهما على إبراز معارفهما اللغوية، لإثارة إعجاب مدرسة النقادر اللغويين التي تكونت في هذه الفترة من جامعي اللغة والشعر القديم. وشعر ذو الرمة أمعن في استعراض اللغة، وأجمل في وصف الصحراء تلهب صوره الغزل أحياناً. وبينما كان الشعر الجاهلي يمثل العاطفية والمحدودية، والمستوى الخلقي السامي، كان الشعر الأموي يمثل تضارب القوى، وتصارع المثل في الحياة الجديدة، وخلافات الأحزاب على الخلافة والحكم. وفيما عدا الغزل الذي ظل في مستواه المثالي، فإن الموضوعات الأخرى تنزل إلى مستوى الحياة اليومية. وبالرغم من التمثل بكثير من آيات القرآن، فإن الاتجاه الخلقي يضعف. وقد غص الشعر بما يعجب الجماهير المحتشدة لمشاهدة مباريات النقائض.
جمعت دواوين شعراء هذا العصر، إما في حياتهم أو مباشرة بعد مماتهم. وشعر هذا العصر أكثر الشعر العربي القديم صحة، من حيث النص أو نسبته إلى الشاعر. أما شعر العصر العباسي - الذي تبدأ خصائصه في الظهور منذ أواخر العصر الأموي (منتصف القرن 8) – فإنه يمتاز بأنه شعر حضري وبأنه قد ساهم فيه لأول مرة شعراء ليسوا عرباً خلصاء، وكان فحوله من الموالي. وقد أثرت هذه الظاهرة الأخيرة في النثر أكثر من الشعر. وظل الوزن والشكل دون تغيير. وحصر بحور الشعر الخليل بن أحمد (791)، فتجمدت منذ ذاك.
وللحديث بقيه انتظرونا المحاضرة القادمة مع خالص تحياتى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق