الجمعة، 6 سبتمبر 2024

بقلم ... الشيخ يحيى ابوالبراء

 شمعة الحياة

جلست الأم في ذات مساء تراجع الدروس مع أبنائها وأعطت طفلها البالغ أربع سنوات من العمر كراسة للرسم حتى لا يشغلها عما تقوم به من مذاكرة ومراجعة مع إخوته الكبار. وفجأة نسيت أن تعد طعام العشاء لوالد زوجها المسن الذي يعيش معهم في حجرة خارج المبنى في فناء البيت وكان لا يخرج من غرفته لكبر سنه فأسرعت بالطعام لوالد زوجها وسألته إن كان بحاجة لأي خدمات أخرى ثم تركته. وعندما عادت الأم إلى أبنائها لاحظت بأن الطفل الصغير يرسم دوائر ومربعات ورموزا فسألته ما الذي ترسمه يا حبيبي فأجابها بكل براءة إني أرسم بيتي الذي سأعيش فيه عندما أكبر وأتزوج . فرحت الأم بإجابة طفلها ثم سألته وأين ستنام فأخذ الطفل يريها كل مربع ويقول هذه غرفة النوم وهذا المطبخ وهذه غرفة الضيوف وأخذ يعدد كل ما يعرفه من غرف البيت وترك مربعا منعزلا خارج الإطار الذي رسمه ويضم جميع الغرف .
فتعجبت الأم وسألته ولماذا هذه منعزلة عن باقي الغرف أجاب الطفل إنها لك ستعيشين فيها كما يعيش جدي الكبير نزل كلام الابن على أمه كالصاعقة وأخذت تسأل نفسها هل سأكون وحيدة خارج البيت في الفناء دون ان اتمتع بالحديث مع ابني واطفالي وآنس بكلامهم ومرحهم عندما أعجز عن الحركة وهل سأقضي ما بقي لي من عمري وحيدة بين اربع جدران دون أن أسمع لباقي أفراد أسرتي صوتا. نادت الأم على الخدم ونقلت بسرعة الأثاث في الغرفة المخصصة للضيوف والتي تكون عادة اجمل الغرف و احضرت سرير والد زوجها ونقلت الأثاث المخصص للضيوف الى غرفته خارجا في الفناء وما ان عاد الزوج من عمله فوجئ بما رآه وأعجب به ثم سألها ما الداعي لهذا التغيير. أجابته والدموع في عينها أختار أجمل الغرف التي سوف نعيش بها أنا وأنت إذا أعطانا الله عمرا وعجزنا عن الحركة وليبقى الضيوف في غرفة الفناء ففهم الزوج ما قصدت الزوجة وأثنى عليها, أما والده كان ينظر إليهم ويبتسم بعين راضية. وما كان من الطفل إلا أن مسح رسمه وابتسم.
ابي أنت النور الذي يضيء حياتي والنبع الذي أرتوي منه حباً وحناناً، أنت الأب الذي يشار إليه بالبنان ويفتخر به بين الأنام، فهنيئاً لي بك أيها الأب العظيم، فمهما قلت ومهما كتبت يعجز لساني عن أن يجد كلمات تعبر عما في قلبي لأوفيك حقك، فما في قلبي لك أكبر من أن أوفيه بالكتابة
الأم هي ذاك البدر المنير الذي يضيء لنا السماء ونستمد من ضيائه أمل الحياة فالأم لؤلؤة مصونة تتلألأ يوماً بعد يوم وتضيء أعماق البحار فأنت ثمينة علي يا أمي فمكانك في قلبي وستظلين في قلبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق