وها نحن هذه الأيامَ في موسم الأعراسِ، لمن استطاع إليها سبيلا٠٠دامت في دياركم عامرة٠٠
>>>>>>>>> عرسُنا في القرية ..
طبلٌ وزمرٌ وأغاريدُ ، والكلُّ في فرحٍ وحبورٍ ، وفي المكانِ زَحْمةٌ يُصاحبُها هرْجٌ ومرْجٌ ، ويا لَها مِنْ ساعةٍ ، فيها تَزولُ حالٌ ، وتتكوّنُ حالٌ أُخرى ، وسُبحانَ مبدِّلِ الأحوالِ ..
في منزلِ العريسِ لبّى المدعوون الدعوةَ ، فراحوا يتوافدون ،أقاربَ وأصحابَ، زُرافاتٍ ووَحْدانا . وفي منزلِ العروسِ لبّتِ المدعواتُ الدّعوةَ أيضا ، ورُحن يتواردْن أشكالًا وألوانًا ! ولن يمنَعنَّ أحدٌ أحدًا من أنْ يَتَوافدَ الشَّبابُ إلى حيثُ تكتظُّ النّسوةُ ؛ فالأنسُ وراحةُ البالِ دائمًا من نُعْمَيَاتِ الأَعراسِ .
والسّهرةُ للحنّاءِ . وفي السّهرة جلوسٌ وقيامٌ ، وقاعِدونَ وراجِلونَ ، وفي الوسَطِ راقصونَ وراقصاتٌ ، ومعهُم " الأركيلةُ " هذا الطَّارئُ الجديدُ الذي صارَ عشيقَ الصَّبايا قبلَ الشَّباب ِ، وليسَ لهُ منْ شأنٍ في الأعراس أو المجالسِ غيرُ الرَائحة ِ؛ ويا لها منْ رائحة ٍ! إذْ صعْبٌ عليك أنْ تُحبَّها أو تأنَسَ لدُخانِها وهو يحوم ُحولَكَ، ويكاد ُيطردُكَ مِنْ حيثُ أنتَ .
ويَا لَها مِنْ أصواتٍ تَتَعالى، وحَرَكاتٍ تقومُ ،والكلُّ مُنشرِحٌ ومُغتبِطٌ . أمّا القاعِدونَ : فهيَ جَلْسةٌ للتّندُّرِ والتّسلّي ؛ والحديث دائرٌ حولَ ذلكَ وتلكَ ، فَها هُما يَتهامسانِ ويَتضاحكانِ ، ولكَ أنْ تَنظُرَ لحلقةِ الدّبكةِ ،وكيفَ تراصّتْ الأجسادُ ، وَتَشابكتِ الأَيادي وكأنّها ،إن تراختْ ، تخافُ أنْ يَفقِدَ بعضُها بعضًا .
ثم إنّ الرّاقصَ الأوّلَ يُثير الاهتمامَ فهُوَ في حَرَكاتِه مِطْواعٌ ، خفيفٌ ،نشيطٌ ،لا تَراه يَثبتُ في مكانٍ ، بل هو جاعلٌ كلَّ ما فيه يتحرَّكُ من رأسِه حتى قدَمَيْه ! والكلُّ ناظرٌ ،والكلُّ مبهورٌ ! إلّا ممّن رافقَ عمرًا مضى ،فرأى أنّ رَقْصَةَ الدّبكةِ ،أيامَ كان شابّا، كانتْ ذاتَ هيبةٍ ووَقارٍ ، وفيها من العنادِ والتّحدي ما يدلُّ على رجولةٍ قلّما نَراها أو نحسُّ بها هذهِ الأيامَ ؛ فهيَ الآنَ قَفَزاتٌ و(نَطْنَطاتٌ) ، يَصنعُها في الرّاقصِ صوتُ الموسيقى العالي الذي يكادُ يكون هديرًا ؛ وأمّا (الدّبّاك ) فهمُّهُ رُؤيَةُ مَنْ تَنظرُ إليهِ، فتُعجبُها حَرَكاتُه وَقَفَزاتُه ، وهو بها يُغيظ الحسّادَ ويقهرُ الغيارى ويَبقى الرّاجلونَ ؛ فهُمْ ما بيْنَ مُرحِّبٍ بالضُّيوفِ ، وما بَيْنَ راقصٍ أو دابكٍ، ما عَدا من يقدّمُ القهوةَ المُرّةَ ذهابًا وإيابًا!
وَتَخْرجُ العَروسُ مِنْ غُرفتِها بالأَغاريدِ والتّبريكاتِ ، وهيَ ترتدي فستانَ سهرةٍ يُبرز ما هيَ علَيْهِ مِنْ ذَوقٍ وَجَمالٍ ! وها هيَ قد رفعَتْ يَديْها بالتّحيةِ للسّاهرينَ ، وحولَها تحلّقتِ الامُّ والأخواتُ ،ومعهنَّ الإخوةُ والأهلُ والاصحابُ ،وأرفقت يدَيْها غنجًا ظاهرًا لتراقصَ الجميعَ صاغيةً "للأويها ومبروك هالفستان ، وليكي يا بنتي البيتْ شو فرحانْ بدْعي لألله والنّبي العدنانْ تضلي يا بنتي دومْ فرحاني " وتنطلقُ عندئذٍ الأغاريدُ ، ويَطيبُ السّمَرُ.
وبين أن تكونَ العروسُ بثوبِها الأنيقِ راقصةً وسطَ الحَلَبة أو محمولةً على هودجٍ ، أو أن تنتزعَ دورَها في الدّبكةِ من الرّاقصِ الأّولِ ،تُسمعُ أصواتُ السياراتِ ، وهي قادمةٌ بهديرِها ورُكّابِها ! ويترجّلُ الجميعُ وتعلو الهتافاتُ : يا بو ... وسّعْ دارَك . وإذا بالوفودِ آتيةٌ لتُحنّيَ العروسَ .هم مبعوثو العريس ، الصينيّةُ مزيّنةٌ بأنواعِ الورودِ ، ومنها يُرشُّ مع الأرزِ على الحبيبةِ ، وقد حملتْها امرأةٌ محبّةٌ ، والكلُّ من حولِها يهتفُ :"جينا وجبْنا حنِّتنا ،بدْنا نحنّي كنّتنا " ! وتروحُ إحداهنَّ تُطلي أظافرَ العروسِ بطلاءٍ خاصٍّ لا يفقهُ معانيَه إلا النّساءُ . وتنتهي الزيارةُ بانضمامِ مَن يرغبُ إلى حلقةِ الرّقصِ والدّبكةِ ، ثم تتمُّ المغادرةُ والعودةُ من حيثُ أتى الجميعُ بعد أن تُوزّعِ الحلوى ، وتُسقى القهوةُ ، أو أنْ تُؤكلَ عرائسُ الكبّةِ النيّة !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق