__________تعالَوا لنُضيِّعَ الوقتَ .. وفقط لمن يهمه الأمر ..
___________________رحلةُ عاشقةٍ ..
إنتَ وأنا ،عمْ يسألونا كِيفْ ؟
بي ضَلْ شو بيِحْلالْنا نغنّي .
ما بيلتَقى مرّاتْ عنّا رْغيفْ !
ومنعيشْ بي أطيبْ من الجنّي ..
هي فتاةٌ رَبعةٌ ، عربيّةُ الملامحِ ،بشعرٍ تدلّت جدائلُه بانسيابٍ ناعمٍ، وبعينَيْن واسعتَيْن ، ووجهٍ مدوّرٍ، فيه برزَت شَفَتان لوزيّتانِ ، خبّأتْ ثناياها كوَمًا من أسرارٍ لا حصرَ لها ولا عدَّ . ابنةُ العشرين عامًا إن مشتْ، فمشيتُها لينٌ ورشاقةٌ ، وإن نظرَتْ ، فكأنّها تدعوك لشيءٍ ما ، وإن ضحِكتْ ، فهي من الأنوثةِ بمكانٍ ،لا ندري مَنْ هوَ المَلاكُ الذي يَتربَّعُ فيه ؟!.
وهي إلى ذلك ، أنيقةٌ في حديثِها ، أنيقةٌ في لباسِها ، وفي الحالَين تُثيرُ الإعجابَ ، والإعجابُ يفتحُ أبوابًا مغلقةً ،ولعلَّ من مفاتيحِها ، أنها كانتْ تنظرُ إليه نِظرةً متميّزةً ، تُداريها بابتسامةٍ ذكيّةٍ مرِنةٍ ، وكانَ عليه أنْ ينتبهَ ، ومع الانتباه ، يُلبّي دعوةً لزيارتِها ، وهي دعوةٌ حتّمتْها الزّمالةُ في العملِ، وأنّها غريبةٌ عن الدّيارِ ، ومن الواجبِ ألّا تستسلمَ لوحشةِ الغربةِ وقساوتِها، وصارَ عليه أن يكرّرَ الزّيارةَ ؛ وبئسَ الغربةُ ووحشتُها !..
وصارَ عليه في آنٍ ، أن يتقبّلَ ملاحظاتٍ مِنْ هُنا ، ويَبتلعَ ثَرْثَراتٍ مِنْ هناكَ ، كان أصحابُها زملاءَ في العملِ ، ونشيطاتٌ في الحارةِ كنّ يُراقبْن على ما بَدا ، ويَتَسَلَّيْنَ . ولا غرابةَ في ذلكَ ؛ ففي مكانِ العملِ صحبةٌ ، وحديثٌ ،ونظَراتٌ ، وتفكِهةٌ ، ثمَّ إنّ كرةَ الطّاولةِ شاهدةٌ ، وقدْ جَمَعَتْهُما في كلِّ وقتٍ لا عملَ لهُما فيه ، فيما الآخَرونَ يَعملونَ ، ثمّ إنّ دخولَ منزلٍ ليس فيه سوى امرأةٍ ، لا شكّ يثيرُ البلبلةَ والظُّنونَ ، ويدعو في الوقتِ عينِه للّتندُّر والتّسلّي ، وخاصّة في مجتمعٍ قرويٍّ ضّيقٍ ..
ولْيكنْ .. فليسَ في الامرِ ما يزيدُ عن علاقةِ زمالةٍ ، يرافقُها شيءٌ من إعجابٍ ،إلى أنْ .. فذاتَ يومٍ دعتْه لتُعلِّمَه "البَرْجيسَ " وهيَ لُعبةٌ ، لهَا علاقةٌ بأَحجارِ الوَدَعِ، تُرمى على قطعةٍ من قماشٍ ، لتُقرأَ قراءةً خاصةً ، وقد حاوَلتْ أنْ تُسلّيَه بها ، وحاولَ هو أيضا أنْ يَستجيبَ للّعب بها ، وما إنْ رأتْ أنّه صار قبالتَها ،وقريبًا منها، حتى تقدّمتْ منه بجُرْأةٍ سريعةٍ ،ووضعتْ شَفتَيْها بَيْنَ شَفتَيْه ،وراحَتْ !..
أهو الحبُّ وكانَ عليه هو أنْ يبوحَ به ؟ أم هيَ متعةٌ أرادتْها ؟ أم هيَ إلى ذلكَ ،الحركةُ الباقيةُ التي يجبُ أن تقومَ بها ، وقد خذلَها حتّى الآنَ في ما ترغبُ هي فيه ؟ ثم ما هو المانعُ من أن تأتيَ المرأةُ بهذه الخطوةِ ، إذا ما فاضتْ بها المشاعرُ ؟ وأيّا تكن الحالاتُ ، فقد استجابَ هو لندائِها الفاخرِ بسرعةٍ أحبّتها هي بقوةٍ ، وكان عناقٌ ، وضمٌّ ، وعناقٌ وكان ارتحالٌ نحوَ حياةٍ جديدةٍ بدأتْ فصولُها آنذاك..
لقد صارَ حبيبَها ،وصارتْ خليلتَه . فها هُمَا يَتَقابلانِ ، وَيَسهران وَيَتَحابّان ؛ وهما لا يتركانِ وقتًا يستطيعانِ فيه الاختلاءَ ، إلّا ويستسلمانِ فيه لضمٍّ وعناقٍ ،وكثيرًا ما كانتْ تَدعوه لِتناولِ طعامِ الغداءِ، وتروحُ تُطعمُه بيدها ممّا لذَّ وطابَ ، ثم تروحُ مع فيروزَ وتغنّي له : إنت وأنا ، برقّةٍ تكادُ تشبهُ تغريدَ الطُّيورِ، وتودّعُه بابتسامةِ وضمّةِ عاشقَيْن . وما كان يعودُ إلى البيتِ إلّا وقد نامت ِالقريةُ، وتكادُ تنامُ نجومُها معها .
أهيَ الحبيبةُ التي دخلتْ حياتي ، على غيرِ ما كنتُ أنتظرُ ،ودونَ غيرِها، ممّن تحدثتُ معهنَّ عنْ إعجابٍ وحبٍّ ؟ أم هي الباعثةُ فيَّ كلَّ الميلِ لحبِّ امرأةٍ جذبَت منّي شبابي ، فكانت المرأةَ الأولى التي قبلتُ منها التّحدي، ورحتُ أستجيبُ لرغباتِها في الحبِّ والتّلاقي ؟ وهل ،إذا ما طلبتْ منّي الزواجَ وهو حقٌّ لها ، أستطيعُ أنا أنْ أتّخذَ قرارًا بهذا الشأنِ ؟ وأمّي ، ماذا أقولُ لها ، وهيَ على موعدٍ مع إحدى قريباتِها ؟ ثم إنّني، بعدُ ، لم أرَ الوقت قد حان لأصيرَ ربَّ أسرةٍ ، فها إنّني ما دخلتُ العقدَ الثالثَ من العمرِ أو كدتُ ؟
وعلى كلِّ هذه التساؤلاتِ لم يجدْ جوابًا ، وكان عليه أن يُجيبَ ،غير أنّه استسلمَ لنومٍ عميقٍ ، بعدَ أن قضى سهرتَه المعتادةَ .. وحصلَ أن فاتحتْه في الأمرِ ، أمرِ الزّواجِ ،وهو ما سوف يزيلُ عنْها همومًا وانشغالاتٍ كثيرةً، فبالزّواج تنتهي عادةً علاقاتُ الحبِّ الحقيقيِّ، وتُدفعُ معها ضرائبُ المحبّين ،ولا يعودُ في الأجواءِ ما يسوّدُ نقاءاتِها ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق