احتضار
يختال في خطوه،يمشط شواربه الكثة.
القبو مغبش.
ينخ فوق الفراش المنكوش،تناجي مسامعه همهمات/تداعيات،ينذعر،يكتم أنفاسه الواجفة.
يدنو من العلبة الورقية، أطل بعينه الرمضاء داخل العلبة؛فارغة إلا من اثنتين،تتناجيان،صكته الدهشة،أنصت مأخوذاً،تهمس إحداهما:
تتمازج أنفاسه غزلاً،أتملص من بين شفتيه،يمهلني،يناوئه الكري.
تقر الثانية:
سيفتك بنا لا محالة.
عبثت أنامله بالعلبة.
انكمشت الأولى في هندامها،تزحزحت راجفة.
لقفها بلهفة،أشعل عود الثقاب،تأججت النار،يتأملها وكأنها تحوي الخلاص،بللها بريقه السائل،تتأبي متملصة،يحضنها بالسبابة والوسطي،وكأنه يعزف سيمفونية الغواية.
تزوي النار،تلامس الجبهة المتغطنة،يتيبس وجهها،يغضب فيتيه الدخان،يتفحم الوجه،ينفث جمراً.
ينفض الرماد بدقات أنامله الهامسة،يهمهم:
أستحلب لسعاتها المتوالية،مع نفثاتها تحلو ذكرياتي ،تناغيني وأناغيها.
تجمع فتاتها،لتخبو النار،ولكن شفطاتي الشبقية تشد أزرها.
الثانية تتقلقل،ترتعش،ترتل قداس الانتقام:
سيعلن الجسد العطب،ستنسرب حياته قطرة قطرة.
تلاشت الأولى،لحدتها المطفأة.
الثانية تنعي حظها،تبصق الخوف.
يلوي عنقها فجأة،يلثمها،يداعبها،يمتص رحيقها،خاتلته،طفرت من شفتيه،ينثني فوقها،تنزلق بين الشراشف.
صدره يزيق،تربكه الخشولة،يقصد المطبخ،يصنع كوباً من القهوة السادة،يتراجع إلى فراشه،يافوخه يطقطق،يتجرع رشفة ورشفة،تنخله المسيرة:
شغل كل يوم.
ذهاب وأياب والمحصلة جنيهات يسيرة،لا تسد رمقا.
زوجة لا تدعني ساكتاً،طلباتها تنوء عنها خزينة بنك.
وقلم لا يملك إلا الشكوى،والشكوى لغير الله مذلة.
يشقلب الفراش.
أين ذهبتي أيتها اللعوب؟
اكتشف مخبأها،تقعي أسفل الوسادة مستعطفة.
لم يمهلها.
تستغيث مدرة الدمع،تلسع كفه.
لا يشعر.
ربما يدعي ذلك،ورائحة شياط تكتمها الوسادة،يزفر غمامات الأدخنة غيظاً وانتقاماً،مع كل دفقة احتراق تتأوه،تتأود،يتمتم:
يشغفني حبها،مع تبخترها تتفاقم أفكاري.
تمنحني الرجولة.
أرسخ لعبوديتها،لا أغادر معبدها،فالجدران مليئة بالبنات العاريات والورود المتناسقة وجداول الغديروالغيوم والضباب والثلوج وعالم السحروالفتنة.
تحركت العلبة مطرحها،تراقصت كلاعبة باليه،ابتهجت لتخلصها من الحمل سريعا،يقبض عليها بيده اليسرى،يعصرها.
يضمر نسيجها،يقذفها أسفل قدمه الصخرية،يسحقها،يردد في عفوية:
ما بالي كالمسخوط.
شياط يزكمه،يدهك بقيتها في المطفأة،قعد فوق السرير،يضطجع،عقد ذراعيه تحت رأسه:
"بقميصها البترولي تترقب حضوري،عشقتني وأنا صغير،ضعيف،منتوف الريش،تتخيلني كل مساء.
يهب البوتجاز.
يشتعل قميصها،يحيلها إلي زيوت سمراء.
أبحث عنها على أطراف المدينة،في الأزقة والحواري،علي جنبات الطريق.
ألتمسها دمعة،وجفة،شهقة.
لا أجد لها أثراً،ومع الأيام تمزق ألبوم الصور."
ينتصب متهاويا.
يقضم بأسنانه السوداء أوراق سلوفان علبة جديدة.
تمت بحمد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق