حين . .
عشِقَ الجمالُ قُبْحاً . .
خاطره
بقلم وعد الله حديد
في الاول من حزيران 2022
ربما ادرك الاخرون في بقاع الارض الموغلة في التاريخ ربما أدركوا كشفَ بعض اللغز المحير للحياة ,لقد وصَلَنا من اخبارهم الكثيرَ عبر منحوتاتٍ ومخطوطاتٍ غايةً في الجذبِ والتأثيرِ ,إنهم
أقوامُ حضاراتٍ سادت ثم بادت , فالحضارة البابلية والرومانيه والاغريقية ومن قبلهم الفراعنه وغيرهم حضارات كثيرةٍ اخرى تمكنوا والى حدٍ ما من سبر اغوار الحياة عبر طرق فلسفيةٍ واخرى
علمية واعتُمدت فيما بعد مخطوطاتهم وما نُقش فوق منحوتاتهم نِبراساً يمكن ان يستدل به من اراد استدلالاً مِنْ من خَلَفهم فوق الارض , ومهما يكن من امر ومهما كانت حضارات اولئك القوم
ظاهرة للعيان بين علوم الفلك و الفلسفة والأخلاق والميتافيزيقيا والمنطق ,
مهما يكن من امر تلك الحضارات وهذا الكم الخرافيُّ من العلوم فإنها لم ولن تستطيع ان تتوغل عميقاً في عوالم النفس البشريه مطلقاً ,وحتى لو ان احد اولئك الفطاحل اخذ على عاتقه تشريحا
لجسم الانسان يبحث في هذا الجسم عن شيئٍ اسمه النفس كي يصل الى حقيقة كينونتها فسوف يكون مُحالاً ان يعرف النزرَ اليسيرَ عنها.
لقد صعب على المهتمين بهذه النفس الولوج اليها وأُسقط بأيديهم عندما ارادوا معرفه كيف يحب الانسان لمجرد الحب وليس لمجرد نزوةٍ ,كيف لذلك الانسان ان يسرق ان يحتال وأن يهدر الدماء ,
وأرادوا أُخرىً إستقراءَ مجاهلِ الكُرهِ في تلك النفس ولكن لاجدوى من الاستقراء فهي منغلقةٌ على مايكتنفها , ها هي ذي مُشَفّرةً بمفاتيحَ وتلك الشفرةُ مفاتيحها بيد خالقها
فالنفس لاتبارح الروح فهما مدمجتان ببعض وطالما كان ارتباطهما وثيقاً والجدال في الاثنين شائكاً فان الوصول الى حقيقة امرهما مرهونة بيد الخالق فالروح هي من أمرِ ربي,
إذن فالامر معقدٌ غيرُ يسير لأن ما وراء تلك النفس تكمنُ إرادةٌ لاتُشبهها إرادة ,إنها فوقَ الاراداتِ جميعها ,تلك هي ارادة الله.
في رحلةٍ بمترو الانفاق داخل مدينةٍ اوربيةٍ كانت مقاعد العربة مشغولةً جميعها فكان عليَّ أن اقف مثلما يفعل الاخرون ,
وليس بعيدا عني امتثل شابٌ عشرينيٌّ بقوامه الممشوق ببشرة وجهِهِ الممعنة بالنقاء وبالبياض بعينيه الزرقاوين وخصلات شعررأسه الذهبيةُ التي شكلت عائقاً امام عينيه فيحاول إزاحتها بين
الفينةِ والأُخرى ,انه يحتضن شابةً تُماثله سناًولكنها لاتُماثله شكلاً , لايوحي شكلها عن راحةٍ نفسيةٍ لناظِرهِ , بشرةٌ داكنةٌ عينان غائرتان محاطتان بهالةٍ تجنح الى السواد وخصلةُ شعرٍمُجعدة
فريدة يتيمةً تنتصب في قمة رأسها , وسوف لن اضطر الى شرحٍ مفصل عن باقي انحاء جسمها فإنه لن يُنبئُ عن أدنى مقاييس للانوثة وللجمال.
تُرى مالذي يمكن أن توحيهِ لوحةٌ لهذين العاشقين , كيف اتفق ان يلتقي القبح مع غاية الجمال , ماهو دور النفس البشرية في التمهيد لمثل هكذا علاقة ,
لم افكر حينها الى تأويل الأمر فالحيزُ الزمني الذي يفصلني عن تلك الحادثة يرقى الى نحوٍ من نصف قرنٍ من الزمن او يزيد , لم اكن حينها قد بلغتُ فيه غاية التوضيبِ والادراك ,ولكنني عندما
فكرت ان اكتب شيئا عن متاهة النفس متأرجحةً بين فجورها وتقواها وبين ماهي عاشقةً له وماهي متطرفةً بكرهها قفزت الى رأسي صورةُ ذلك الشاب وهو يكاد يذوب شوقاً ووجداً محتضناً تلك
الفتاة ,لم يكن فعلهُ بمستوى النزوةَ فقد كان ممكناً ان يستدرج اجمل امرأةٍ من فصيلة الجمال والنظارةِ التي ينتمي اليها وبين القبح والجمال يُثارُ الجدل مُحتدما و في حيرةٍ كيف تنمو الالفةُ وتسمو
المشاعر بينهما .
الافعال مِرآةٌ غالباً ماتعكس بصدقٍ ما يمكن ان تنطلي عليه مكنونات مشاعر الاطراف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق