سلسلة : " حديث النفس "


رجعت متأخرا إلى البيت كعادتي
دخلت الغرفة فوجدته نائما
وقد أدار ظهره لي وجميع حروفه
متساقطة متناثرة على الأرض
جمعتها نظفتها و نظمتها و رتبتها
فصارت تناديني وتخاطبني بحدة ...
إلى أين تسير الحياة بنا يا صديقي
إلى أين تمضي بنا الدنيا يا عزيزي
هل نسينا أولى الدروس و العبر
ونقوشات حفرناها على الحجر
ثم ترسخت فينا
رويدا رويدا مع الكبر ...
أم ترانا تهنا في غابات بين شجيرات
ووديان و أدغال و أشواك و قلاع ...
كتب لي إحدى المرات والدي
يحدثني عن حكاية الغراب
و الثعبان الأسود
عندما كان هذا الأخير يهجم
على أفراخه ويأكلها ظلما وعدوانا
حتى تخلص منه ذات مرة
بحيلة كانت هي القاضية
عندما استشار صديقه ابن آوى ...
فالحيلة أدهى بكثير وأسهل طريقة
للتخلص من مشاكلك مع أعدائك
فلربما كانت " أثينا " أكثر حكمة وعدالة
ومهارة بل وذكاء في استراتيجياتها
من أخيها " آريس " ذلك الأحمق المتهور
المتغطرس المتعطش للحرب والدماء ...
مثلهم كمثل جبار عملاق طاغية
أعمته قوته وغروره وكثرة جنوده
أمام طفل صغير يحمل بضعة حجارة
فأرداه صريعا قتيلا طريحا على الأرض ...
أو كالذي جهز جيشا شديد البأس
فخرج لهدم وتحطيم بنيان مقدس
حتى صارت ترميه الطيور الغاضبة
فانقلب على وجهه خاسئا محسورا ...
فلا تنسى نصيحتي لك يا ولد
كما فعل " إيكاروس " عندما أراد
الطيران نحو الشمس وعند بلوغه
ارتفاع معين سقط في البحر ومات ...
ومنذ ذلك الوقت وأنا أعمل بكلامه
فاعتنقت دين المعرفة والحب
و الحكمة و البصيرة والرحمة ...
وانسلخت من ثياب الكهنة والسحرة
وتركت جميع معابد الآلهة و الفراعنة
التي كنت أتعلم فيها فنون الرموز
والإشارات والطلاسم
وكتابة الهياكل السبعة ...
تذكرت حينها أني لا " أنا " ولا " أنت "
نطمح أو نسعى لنفس المآرب
أو نستثمر أموالنا لإنشاء العمران
و تشييد الجسور والصرح العظيم
الذي كنا نحلم به صغارا ...
خدعونا حينما قالوا
أن جميع الطرق تؤدي إلى روما
أما آن الأوان لنا يا صاحبي
للجلوس معا والحديث
عن رحلات ذلك السفر البعيد
والغوص في أعماق البحار
ظلمات بعضها فوق بعض
لاكتشاف واستخراج كنوزنا الدفينة ...
" أنا " و " أنت " دوما وأبدا معا يا صديقي
نلعب نمرح نجري نطير نغني نرقص
تغدو تشدو ترنو تكسو تسري تشرق
فينا ذرات الحياة ذبذبات الأمل الساطع
تجتمع كلها في جسد واحد .. " ر ... و ... ح "



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق