التطبعُ. .
تجذيفٌ عكس التيار
مدونةً بقلم
وعد الله حديد
في السابع والعشرين من ك2 2023
لن يكون بمقدوركِ أن تمنع قطةً غادرتها أُمها وهي صغيرة وغذيتها أنت على الحليب من أن تلتهِم فأرةً في أول فرصةٍ سانحةٍ , إنها لن تخترق قوانين الطبيعةِ ولكنها محاولةَ أن تزاول طبعها فتقتنص الفأرةَ فتغادرَ التطبيعَ غير مُدركةٍ وغير نادمةٍ .
أسهبتُ قبل اليومِ في بيان وتوضيحِ أنْ يغلِبَ الطبعُ التطبعَ , الطبع أمرٌ يُقِرُّهُ الجميع , ولكن الجميع سوف لن يُقِرّوا أمر التطبعِ أبداً , ويأتي إقرار الطبعِ من حقيقة أن المكونات الخلقية قد تمتْ معالجتها جينياً ضمن مورثاتِ أيِّ كائنٍ حي , فالسمكة تسبح ولا تغادر الماء إلّا نفقتْ والطير يحلق عالياً ويغرق ان غُمِرَ بالماء ,و سوف لن يفلتَ طيرٌ من أنيابِ قطٍّ متربصٍ .
لم يُكتب لِابن آدمَ أَن يغوص في الماء أو ان يُحلقَ في الهواء لأمور فسيولوجية خارقةٍ وارادةٍ إلهيةٍ , أما الاسد وما يشبهه من مفترسات فقد جُبل على مهاجمة جميع المخلوقات ولن يُستثنى الانسانُ من أن يُباغَتَ فيكون وجبةً دسِمةً له , هذا مبدأٌ متفقٌ عليه وتلك هي السليقة البشرية التي سُلِقَ عليها بنو آدم وكل ماهو مخلوق تحت مسمى كائِنٌ حي ,إنها الحقيقةُ العاريةُ وذاك هو ألمنطقُ الذي لا لِبسَ فيه ,
التطبعُ أمره هيِّنٌ , إنه لايخفى على أٍحد حين يُصار الى تطبيع الحيوان للقيام بفعلٍ ما أو أن يُصارَ إلى تجريده من بعض عاداته المقرفة ومن كامل نوازعه العدائيةِ ,
ولكنه سوف يتقهقر امام الطبع في مناسبات كثيرةٍ فتعمُّ الفوضى وتنقلبُ موازن كثيرةٍ وتُخترقُ القاعدةُ فتؤولُ إستثناءً .
أما عن الانسان . .
فلا يمكن لهذا الإنسانٍ مهما كانت نسبةُ ذكاءِه عاليةً وقابلياته الذهنية والثقافية لايشوبها خطبٌ مارقٌ ,سوف لن يكون قادراً على أن يحتفظ بالتزاماته الفكريةِ مُسبقةُ الخلقِ جميعها دون المساس بإحداها , إن ذلك الانسان النموذجي سيصاب بعدوىً أنيةٍ وربما مستديمةٍ إن هو ابتلي بحضورٍ لفئاتٍ غوغائية عبثيةٍ في مضمار حياته .. فتركوا بعض بصمةٍ فيه .
سنحلق اليوم في فضاءات الانسان الرحبة ونترك عالم الحيوان جانباً كي نطلعَ على بعض خبايا هذا الانسان ومقتنياته الإحيائية السايكولوجيه , اننا نهتم بهذا الانسان وتغمرنا سعادةٌ إنْ نحن وضعنا أيدينا على بعض ما تكتنفه نفسه من خبايا واسرار . .
هو شارعٌ فرعيٌّ يصبُ في جادة الشانزيليزيه , نُصِبتْ على قارعتي الشارع إشارات المرور الضوئية , تنظم تلك الاشارات حركة المركبات والمشاة لعبورذلك الشارع الفرعي , وقفتُ انتظر ووقف الكثير من الناس ينتظرون مثلي أن يضيئ الضوء الاخضر كي أعبُر ويعبرون , لم يتجرأ أحدهم أن يعبرهُ والاشارة لم تزل حمراء ,لابد انهم قومٌ يتفكرون ,
ليس في نيتي وليس من طبعي ان اخترق الاعراف واخرق القوانين خاصة وأنا هنا ضيفٌ في بلدٍ استضافني لبعضِ مهمةٍ , إلتمعت في رأسي فكرةٌ هي ان اعبر الشارع في الاشارة الحمراء لأرى ردة فعل هذا الشعب , إنها مجردُ محاولة لأستبيانِ مدى حرص هؤلاء الناس على أمرٍ قد طُبعوا عليه وفيما كان بالامكان شلُّ ذلك الطبع لبعض الوقت .
ها أنذا أضعُ أول قدم لي على أرضية الشارع المكسو بطوبٍ من ألآجر , ولشدةِ لهفي وتعجبي فقد لحِقَ بي اولئك المنتظرون ولم يأبهوا أنه كان فعلاً مخالفاً لقوانين السير وأن الاشارة لم تزل حمراء .
عرفت الذي كنت أودُّ معرفته من عهدٍ بعيد , إن هذا الجمعُ اعتاد ان يطبق القانون ولكنه ما أن رأى أن القانونَ يُخترقُ بجرأةٍ وبانسيابيةٍ امام عينيه دون اذية لأحدٍ فحسِب أن الامر طبيعيٌّ بدليل ان إنساناً قد بدأه قبلهم ولم يدرِ بخلدهم وغاب عن وعيهِم أنهم قد أخّلّوا بالقانون وبنظام السير , إنهم ولا شك يقترفونَ هفوةً فعلها امامهم أمرؤٌ ما فذهبوا مقلدين متطبعين وهم الذين كانوا اشد حرصاً والتزاماً الى ما قبل دقائق , لقد تم إغوائهم واستمالتهم لتغيير طبعهم عن طيب خاطر دون إكراه , وها هم ينتهجون ممارسةُ لم يألفوها قبل اليوم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق