إتاوة
أسند ظهري علي حائط الأقفاص .
أفرش لفة السميط و البيض ، أتلذذ بالمضغ .
يندرالبيع في مثل هذا الوقت،ينهرني الصوت الأجش :
قم ؛ فز..
أنهض موزعا نظراتي يمينا ويسارا ، يهاجمني ذات الصوت :
أبحث عنك منذ زمن .
يزفني موكب المخبرين إلى مكتب مباحث التموين ،يقيدون يدى بالأساور الحديدية .
تتعثر قدماي فى أكوام القمامة ، تدور عيناي فى الأرجاء ،تسترجعنى مخيلتى :
"يجر جزار القرية فحل الجاموس ،يزفه الصبيان مهللين :
(من دا بكرة بقرشين) .
يرتعب الفحل من الزحام ،يثور.
الصريمة تجبـذه ، فيخنع ."
أودعوني إحدى زوايا الغرفة.
عمر يتبرم شاكيا :
مزق المخبرون الرخصة .
يأمره مدكوك الأرداف الممتطي الصندوق الخشبي :
اخرس .
لا يأبه بالوعيد ،يستطرد :
ما علاقتكم وتراخيص القيادة ؟
يجهر المقدم فوزي بالتهديد :
فالح وفاهم القانون يا روح أمك .
تحبس سياط الوعيد لسانه ، تتوقف حركات يديه فى منتصف الطريق .
يعنف "شعبان "ماسح الأحذية نفسه مندهشا :
تحفظوا على الصندوق .
أواسيه مجاملا وذهني زهقت روحه :
قلت لك لا تأخذ أجرة ،ركبت رأسك ، لا تزعل الآن .
يتفل القاعد فوق الكتلة الخشبية على وجه" فتحي" بصا قا رجراجا .
عاجلته الخيرزانة بالخطوط الطولية والعرضبة فوق ظهره المتدثر جلبابا رماديا .
يصمت متوجعا لاعنا جنوحه ،الوقت مطواة تغزغزني ،يفترسني القلق :
أين شريكي ؟
هل عاثوا الفساد فى أقفاص المانجو الشرك ؟
أسبح فى بحار الحيرة ذي الشطآن منزوعة التكوين :
لم اقترف جرما .
لم أغال فى الأسعار .
لم أخسِر الميزان .
أدفع لهم بسخاء .
تضج الغرفة بالانفعالات المكتومة ، تتكدس بالزبائن الجدد .
يقتحم العربجي الحجرة صائحا :
دفعت العلوم / الرسوم لمحصليها ،ولكنهم أرادوا تحصيلها ثانية .
لم يكفهم جنيه للقفص الواحد .
يتعجب كاتب الحسابات غبر المؤمن عليه :
الرسم الرسمى خمسة قروش لكل قفص .
يعقب "عمر" صاحب سيارة ربع النقل :
مولد وصاحبه غائب .
يتذكر الكاتب مأساته فيخفت صوته :
يقتطع المعلم قيمة التأمين لجلب حبوب الهلوسة .
أفكر بصوت مرتفع :
التأمين لا يشترى شريط حبوب .
يرتعب محصل النقدية ـالذى ثبت مطرحه لحظة هجوم موكبهم ـ باكيا :
اكيد.. سيختلس ابن المعلم كيس النقدية .
أبتسم فى وهن ، يتعملق فى مخيلتى التذكر:
(أهرول من القطار.
أستوطن سوق روض الفرج.
تتآ كل ملابسى بحزازات الأقفاص وعفن العرق .
الحمالوت يتشاجرون ، يرفضون أنضمامى إلى نقابتهم .
أحتل موطأ قدم بين أقدام" القماط" ،ألف السوق طوال الليل لشراء أقفاص المانجو الشرك ،وأكوام البطيخ الناعم ،والفاكهة المعطوبة .
أغسل حبات المانجو بالمياه ،أورق أقفاص جديدة ،أملأ قعره بالحبات الأكثر عفنا .
أزين الوجه بالمانجو المجروحة جروحا بسيطة ، أفرز أكوام البطيخ ، المكسور منه أركنه على جنب ،والثمار السليمة صغيرة الحجم أفرزها لوحدها ، تمهيدا لبيعها لبائعي القرى .
منذ ربع ساعة باع "دسوقى" زرعه ، الحمد لله ، فدسوقى يضع الزلط والطوب فى قعر كل قفص ، ولا يبيع إلا للحريم ؛ فالمرأة مكسورة الجناح ،ولن ترجع ثانية حينما تكتشف امتلاء نصف القفص بالزبالة ، يركن الزرع فى ركن من أركان "الفراندة "، ويأتي بقفص وحيد ليبيعه .
ويطمئن لمغادرة الضحية السوق ،فيأتي بالثاني ،وصاحبة الحظ السيء من تعود لتفضح خداعه ،فلا ينالها إلاالمسخرة وسلب عفتها ، فكل النساء تبحثن عن ذكر كما يحلو له أن يهلل و يزيط .
واليوم لم ألاحظ إخلاء "بيازة "و"أشرف" فروشهما من المعروضات .
من المؤكد لهما عيون مأجورة بمباحث التموين.
يا غبي ألم أقل لك قبلا ضع عينيك وسط رأسك .)
صوت "فوزى "الجهوري يقتلعني من صخب الأفكار.
يُفتح الباب المضفر بالحديد ،يدفعونني إلى المكتب .
تتناثر مطفآت السجائر المحفور عليها منمنمات الدق واللزق .
تسمرت بالباب وكأنني وتد مدقوق ،تتجاذبني القوى المتنافرة .
يتربع فوق "الفوتيه "،يفترسني بالنظرات الوبرية ، يصورني من شعر رأسي المنتفض كأسنان الرماح إلى أصابع قدمي الثلجيتين ، مرورا بقدي المنكمش الهاربة منه الدماء .
يخطو بضع خطوات وئيدة ، يتراجع منحرفا إلى إحدى جنبات الأريكة ،يضع ساقا على ساق ، ها أنا ألتصق بالباب ، من المؤكد سأعرض على النيابة ، أتناجى :
ما حيلتى والعجز غاية قوتي .
ما عساني أن أفعل غير الصمت والتأرجح .
" ضربوه على عينه قٌال : خربانة..خربانة ".
ينادي فوزي المخبر فى غلظة، أقبلت كتلة لحمية ضخمة ، كاد الباب أن يبتلعني ، أرتل :
أقتربت الساعة .
ضجيج خارج الباب .
لغط وتوسلات ، ركل يعقبه أرتطام ، زعيق يواكبه نفير .
ينعقد لساني ملجوما ،يرتابني التوجس .
أكظم الغيظ ، يغيظنى الكظم ، تنقضى مهلة الترقب .
يعترينى وجوم كهفي ،تتجاذبني نداءات بائعي لعب الأطفال :
طراطير للبيع .
دوامة الأفكار تنخلني :
(أبو شرق والزمان يفرشان فى محل العمدة ،يدفعان له بدل حماية ،ولا يحملان ترخيصا للتجارة .
لماذا لا تنتهج سياستهما يا فيلسوف ؟
ربنا ينجيني من هذه المصيبة أولا !
لا تخجل من مفاتحة العمدة.
لغة المصالح لا تعهد الحياء .
يا عم العمدة يقطن برجه العاجي ولا أحد يجرؤ على طرق بابه .
خائب ؛ ما يأخذه العمدة أفضل .)
المقدم فوزيأقصد اللواء ـ من باب التفخيم ـ يصيح :
فك قيده ودعه يمشي .
تضعن البنات اقفاص العويس والفص في اقصا يسار الغرفة.
ضحكاتهن المائعة تنثرن الخدر .
يتجمع حولي المخبرون .
ينهشون جيوبي الفارغه الا من كشوف المديونيات .
جيوب شريكي سرعان ما فرغت .
تمت بحمد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق