قصر ذيل
أحمل أوراقي،أطرق الأبواب.
تنفتح عن مكتب فخم طويل وعريض من الفورميكا،لا أوراق عليه.
يتربع خلفه مدير المواهب،عيناه ذابلتان شاردتان،قزم البناء.
سكرتيرته الحسناء تدير قرص الهاتف،تنتظر برهة،لا أحد يرد.
يأمرها بالتكرار،ينطفئ بريقه،ألامس حافة المكتب اليسرى،أبادره بالتعريف،أستنهض قواي الكامنة:
أنا..
المطلوب؟
النشر.
مر علينا القرن بعد القادم.
لماذا؟
لغة قصصك فصيحة.
أعيب؟
الناس تافهون..فكيف يتحدثون بلسان بليغ؟
أتأزم،تتداخل مفردات الغرفة،يقف..يقعد..يتراقص المكتب،أغادر المبني،تتعثر قدماي بلا سبب واضح،ألتفت يميناًويساراً،أستريح فوق المقهي القريب،يتجاهلني الصبي،أو هكذا ظننت،أصفق،"أبسبس"،تمر أمامي فتاة تلبس الجينز،وبلوزة تعري أكثر مما تستر،يتماوج شعرها الهفهاف،يقول الذي يجاورني:
نفسي...
يشاركه تعليق:
غزال يا أولاد..
بيدها حقيبة أوراق،تسوخ قدماها في كثبان الغزل.
تنسكب الحقيبة،ألملم الأوراق بدافع من الشهامة.
بصراحة الدافع لا علاقة له بالشهامة نهائيا،أقرأ اسمها،ينثني جذعها كغصن البان،يترجرج صدرها.
يا بوي؛تبا لكل الكلمات!
تخطف الأوراق ولا تشكرني،تنظر إليّ في ريبة،تتهمني بالتلصص،أخيرا ينتبه الصبي إلي وجودي فيطردني.
أتكعبل في القصص المعروضة علي الرصيف،ألمح كتاباً مذيلاً باسمها،أشتريه،أقلب الصفحات؛في كل صفحة ذكر وأنثى،نفور وشذوذ،فحيح أفعي،لسعة عقرب،أغلقه نادما علي جنيهاتي.
أعبر إلي الناحية الثانية،أترقب الحافلة،أخنع فوق الطوار الملازم دار الحكمة،يزحف أتوبيس،لا أقربه،أنتظر الآخر،تتثاقل الأزمنة،يعتريني الندم،فليس في الانتظار سوي الخسران،يحملني إلي أرض البرزخ:
"زحام ما بعده زحام.
أحفر حفرة عميقة،لأدفن أوراقي،تعبرني الدهور الموؤودة،يزداد الحفر صعوبة،مع كل ضربة فأس أرجو إنهاء العمل،أضحت الدائرة الترابية أسطوانة،كاد العرق أن يطمس معالمها،أسند ظهري علي الحافة،تلامس ساقاي الجانب الآخر،أجدف بيدي مناهضا الجاذبية الأرضية والرمال المنهارة،تسلخت ضلوعي؛آه من الوجع!
خارت عزيمتي،أتمتم:
لا شيءسوى الفشل.
ألحد الأوراق الآن؛ما فائدة انبجاس الماء؟
تأفل الشمس.
أنطرح بجوار الأوراق،ينام جسدي منهكاً،يجافيني النوم،تفرفرني طلقات اليقظة،تفتشني الهواجس،أعياني التفتيش،شققت صدري فما نظرت في القلب سوى بقايا صور،أتصفحها:
الحجاج الثقفي يعتلي صهوة جواده،يجوب الإرجاء.
يتفقد براميل الدماء،تتلون حوافر حصان بالأحمرار،تسح السماء دماءَ حمراء.
يحذر القائد المهندم بالقول:
ينقصها الطفح.
يفاجئ القائد جنود الحراسة،يعصر دماءهم.
يزعق الحجاج:
مازالت البراميل ناقصة."
اكتشفت تربعي فوق الرصيف،ونظراتي للطريق والمارة يخبو وميضها.
فلأقم،لأبحث عن مروج خضراء،لأصعد الحافلة،لأعد لمرآتي،لأوبخني:
ليتني ما صادفت جسد السوء.
تمت بحمد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق