الاثنين، 12 يونيو 2023

بقلم ... الأستاذ عبدالله سكرية

 بين العالَم الغربيِّ والعالَم العربيِّ

الخيرُ والشرُّ ... وشتّان .
وقد جلبَ اتّساعُ رقعةِ البلادِ التي خضَعتْ للحكمِ العبّاسيِّ ثرواتٍ كثيرةً ملأتْ خزينةَ الدّولةِ بأموالِ الخَراجِ التي ساعدَتْ على بناءِ صرْحٍ حضاريٍّ عظيمٍ تجلّى في العمرانِ والفكرِ والعلمِ والادبِ .
فبالرُّغمِ من الصّراعِ على السُّلطة كما حدَث بينَ ابنَيْ الرّشيدالأمين والمأمون اللّذَين اقتتلا بعدَ أنْ أرادَ الأمينُ عزلَ المأمونِ عن ولايةِ العهدِ بهدَفِ تعيينِ ابنِه ، وانتهى الأمرُ بمقتلِ الأمين ، فقد حافظَتْ الخلافةُ على قوّتِها، وتعزّزت أركانُها فكان بناءُ المدنِ كالأنبارِ والهاشميّة ، وكلن أن بنى أبو جعفر المنصور مدينةَ بغدادَ وجعَلها العاصمةَ ومعها كانتْ مدينتا الرّافقةِ والرّقّة ، وجاءت سامرّاء مع المعتصم ، والمُتوكليّة مع المُتوكّل وفي كلِّ هذه المدن شُيّدتْ قصورٌ وأبنيةٌ بلغت ذروةَ جمالِها مع هارون الرّشيد .
وفي ميْدانِ الفكْرِ والعلْمِ ، برز أثرُ الثّقافاتِ الأجنبيّة من حكمةِ الهندِ وأدبِ الفُرس وفلسفةِ اليونانِ في الحياة العقلية التي تلقّتْها عبر ما نُقلَ منها إلى العربيّة.وقد أنشأ الخليفة هارون الرّشيد دارًا للتّرجمة أسماها "دار الحكمة" .وبها اعتنى المأمون، ولها أحضرَكمًّا كبيرًا من كتُبِ الأوائل بالسّريانيّة واليونانيّة والقبطيّة ، كما فرّغ لها مُترجمين متخصّصين في الطبِّ والهندسةِ والكيمياءِ وغيرِها . وظهرَ اهتمامُ الخلفاءُ بنَقلِ علومِ الحضاراتِ الكُبرى ومعارفِها بأنِ اشترطَ الخليفةُ هارون الرشيد بعدَ فتْح عموريّةَ وأنقرةَ بأن يتسلّمَ المخطوطاتِ الإغريقيّةِ القديمةِ ، وأنّ المأمونَ طلبَ أعمالَ الفلاسفةِ القدماءِ تعويضًا عنِ الحربِ التي انتصرَ فيها على قيصرِ بيزنطةَ ميخائيل الثّالث .
لم يكنْ هذا الاهتمامُ البالغُ بعلومِ الأقدمين ترفًا فكريًا بل كان خطوةً أساسيّةً في بناءِ الحضارةِ التي أضاءتْ شعلتُها جنباتِ الأرض أيام الدّولةِ العبّاسيّة ، حين حملت ثلّةٌ من العلماءِ المسلمين هذه الشّعلةَ وطوّروا هذه العلومَ وأضافوا إليها من ثمارِ إبداعهم المتمّيّز، وكان في طليعةِ هؤلاءِ المبدعين عالِمُ الكيمياءِ جابرُ بنُ حيّان ،وواضعُ أسسِ علنِ الجبرِ محمد بن موسى الخوارزمي ، وراصدُ الكواكبِ يحيى بن أبي منصور الفارسي المعروف بيحيى المنجّم،ومنهم واضعُ أسسِ علمِ الحيل ( الميكانيك) موسى بن شاكر، وعالمُ النّباتِ أبو حنيفة الدينوري ، وكان علِمُ الطبّ والفلكِ والفيزياءِ والهندسة يعقوبُ الكندي، والطبيبُ الشّهيرُ أبو بكرٍ الرّازي، وجاء بعدهم من المشرق الإسلامي ومغربِه إبن سينا، وابن الهيثم ، والبيروني ،وأبو قاسم الزّهراوي ، وابن طفَيْل.
لقد جسّدتْ الحضارة العربيّة والإسلاميّة في العصر العبّاسي عبرَ استيعابِ جميعِ الأفكارِ والثّقافاتِ المركزَ الحقيقيَّ للعالّمِ في جميعِ المجالات..
ذلكم الخيرُ . فأين الشّرُّ يتبع .
عبد الله سكرية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق